المسؤولية التضامنية لمالك الأصل التجاري والمسيّـر الحرّ
قراءة في المادة 155 من مدونة التجارة المغربية
بقلم الدكتور مصطفى مالك
أستاذ بكلية الحقوق-مراكش
عملت مدونة التجارة المغربية، على غرار بعض التشريعات المنظمة للمادة التجارية، على استحداث مقتضيات الباب الخامس الوارد ضمن القسم الثاني من الكتاب الثاني المخصص للأصل التجاري. وتتعلق هذه المقتضيات بعقد التسيير الحر، العقد الذي يوافق بمقتضاه مالك الأصل التجاري أو مستغله على إكرائه كلا أو بعضا لمسير يستغله تحت مسؤوليته .
والظاهر أن المشرع وهو يقنن هذه الأحكام قد استفاد من بعض التشريعات الرائدة والسباقة إلى تنظيم العقد المذكور ونخص بالذكر القانون التجاري الفرنسي، ومجلة التجارة التونسية.
وأمام جِدّة هذه المقتضيات القانونية المنظمة لعقد التسيير الحر في مدونة التجارة المغربية، لا يسعفنا إلا أن ننتظر التطبيق القضائي لهاالذي سوف يكون كفيلا بإثارة ما قد تطرحه من اشكالات وصعوبات على غرار ما أثاره التطبيق القضائي في فرنسا، لنصوص القانون السابق التي تكاد تكون هي نفسها مواد الباب الخامس المنوه به أعلاه مع بعض الاحكام المنظمة بهذا القانون التي لم تتضمنها مدونة تجارة المغربية.
ومن بين أهم مواد الباب الخامس المذكور، المادة155 من مدونة التجارة المغربية المتعلقة بالمسؤولية التضامنية بين مكري الأصل التجاري (مالك الأصل) والمسير الحر (مكتري الأصل) عن الديون التي يعقدها هذا الأخير بمناسبة استغلال الأصل، من حيث إنها سوف تطرح على مستوى التطبيق العديد من الاشكالات والصعوبات في تفسيرها سوف نقتصر من خلال هذه الدراسة المتواضعة على إثارة بعضها كالتالي:
لكن قبل ذلك إليكم نص المادة ة 155 م ت م:
"فضلا عن تطبيق مقتضيات المادة 60 يسأل مكري الأصل على وجه التضامن مع المسير الحر عن الديون المقترضة من طرفه بمناسبة استغلال الأصل و ذلك إلى نشر عقد التسيير الحر و خلال مدة الستة اشهر التي تلي تاريخ النشر"
أولا: طبيعة ومدى الديون المرتبة للمسؤوليةالتضامنية لمكري ومكتري الأصل التجاري
نتساءل هنا عن طبيعة الديون المرتبة للمسؤولية التضامنية لمكري الأصل التجاري و المسير الحر من جهة، وعن مدى هذه الديون من جهة أخرى.
ا – طبيعة الديون
من بين الاشكالات التي قد يثيرها تطبيق نص المادة155 -على غرار ما أثير في الفقه والقضاء الفرنسيين بصدد تفسيرهما لنص المادةL144-7 من القانون التجاري الفرنسيالتي هي نفسها المادة 155 من مدونة التجارة المغربية مع اختلاف لفظي طفيف- والمرتبطة بالمسؤولية التضامنية بين مكري الأصل التجاري ومكتريه، الإشكال المتمثل في تحديد طبيعة هذه الديون التي تقصدها المادة المذكورة: هل هي الديون التي يكون مصدر إنشائها العقد فقط أم أنها كل الديون مهما اختلف سبب انشائها (عقدا كان أم قانونا أم عملا غير مشروع…)؟
لقد أوجد هذا الإشكال في الفقه والقضاء في فرنسا رأيين مختلفين، تبنى اولهما معنى واسعا في تفسيره لعبارة الديون الواردة بالمادةL144-7 من القانون التجاري الفرنسي (المادة 8 من قانون مارس الفرنسي1956)، حيث أدخل في حكمها الديون التعاقدية والتقصيرية على السواء، أي الديون التي يكون مصدرها العقد وتلك التي تنشأ عن إعمال المسؤولية التقصيرية، بينما تمسك الرأي الثاني بالمعنى الضيق للعبارة المذكورة حيث قصرها فقط على الديون التعاقدية.
والذي يظهر أن الراي الأخير أقرب إلى الصواب، وهو ما تقطع بشأنه صياغة المادة 155م ت م التي استعملت عبارة «الديون المعقودة» Dettes contractéesمما يفيد أن المشرع أراد أن يحدّ هذه الديون بالحدّ التعاقدي، أي حصرها في تلك التي يكون السبب القانوني المنشئ لها هو العقد دون سواه من الاسباب القانونية الأخرى.
فالذي يتحصل مما سلف من القول هو أن مكري الأصل التجاري لا يكون مسؤولا على وجه التضامن مع مكتريه سوى عن الديون ذات الأصل التعاقدي، دون سواها مما قد ينشا عن سبب قانوني أخر ولو كان مرتبطا باستغلال الأصل المذكور.
وهكذا لا محل للمسؤولية التضامنية إذاتعلق الأمر بالمساهمات الواجبة عن معاش الشيخوخة للتاجر، أو الديون الناشئة عن أعمال المنافسة غير المشروعة، أو الديون الشخصية للمسير الحر.
ب. مدى الديون
ليست الديون التي يعقدها المسير الحر للأصل التجاري واحدة في أسبابها، وإنما قد تتعدد هذه الأسباب، ولم يشأ المشرع هن خلال المادة 155 من مدونة التجارة المغربية إلا أن يحصر السبب في استغلال الأصل المذكور بمعنى أنه أوقف ترتيب المسؤولية التضامنية بين مكري الأصل ومكتريه على أن يكون دافع المسير الحر إلى عقد الديون هو الاستغلال وليس سببا أخر غيره.
غير أن هذا الشرط – اي اقتراض الديون بمناسبة الاستغلال – قد يثير صعوبات على مستوى التطبيق تتعلق بالمدى الذي يمكن تحديده به؟ فهل المقصود منه كل الديون المعقودة من طرف المسير الحر بمناسبة استغلاله الأصل التجاري مهما كانت درجتها – قوة أو ضعفا – في تطلب الاستغلال لها، أم أنها فقط الديون التي تستجيب للضرورة الملحة لهذا الاستغلال.
لقد درج القضاء الفرنسي وهو يفسر مقتضيات المادة L144-7 من القانون التجاري الفرنسي على التفسير الضيق لعبارة «بمناسبة استغلال الأصل التجاري» فلم يشترط ان تكون الديون مرتبطة بالاستغلال فحسب، وإنما تطلب أن تحتمها ضرورة ملحة لهذا الاستغلال.
والواقع ان ما ذهب اليه القضاءالفرنسي – والذي ينبغي العمل به في قضائنا المغربي – قد اصاب به وجه الحقيقة المتفقة ورح النص، لأن المسؤولية التضامنية الملقاة على عاتق المكري هي استثناء من مبدأ قار في القانون المدني وهو مبدأ نسبية آثار العقود، فلا ينبغي التوسع في تفسيره.
ثانيا: هل العبرة في المسؤولية بتاريخ نشوء الدين أم بميعاد استحقاقه؟
وبهذا المثال يتوضح الاشكال: لنفترض أن مسيرا حرا لأصل تجاري قد عقد دينا داخل المدة القانونية، وبانصرام مدة الستة أشهر بعد تمام نشر العقد، حل أجل الدين، فهل يعتد -في هذه الفرضية – بميعاد الاستحقاق حيث يكون بإمكان مكري الأصل التجاري ان يدفع المسؤولية عنه بدعوى فوات مدة الستة أشهر، أم تكون العبرة بتاريخ نشوء الدين داخل المدة القانونية؛ حيث يكون باستطاعة دائني المسير مطالبة المكري على وجه التضامن مهما كان وقت هذه المطالبة ولو حل ميعاد الاستحقاق بعد انقضاءالمدة المذكورة؟
يبدو أن العبرة من ثبوت مسؤولية المكري هي بتاريخ نشوء الدين، وان كان الرأي هذا مفضيا إلى إثقال كاهله، لأن الغاية التي توخاها المشرع من تقريره هذه المسؤولية، إنما كانت هي حماية دائني المسير الحر ضد المظهر الخادع حول صفة هذا الاخير، والفترة التي افترض فيها قيام هذا المظهر الخادع هي فترة نشوء الدين، فكان منطقياأن يتم الاعتداد بها.
وقد يطرح تمة اشكال آخر، يتمثل في تحديد المدة القانونية التي إذا ما نشأ الدين خلالها تم الاعتداد به في ثبوت مسؤولية المكر ي، فهل تتحدد بالمدى الزمني الفاصل بين تمام العقد ونهاية مدة الستة أشهر أم يرتد هذا إلى الفترة السابقة على تمام العقد ليمتد حتى نهاية مدة الستة أشهر المذكورة؟
الظاهر من الصياغة الفنية لنص المادة155م ت م أن المشرع أراد حصر المدة القانونية التي يعتد بنشوء الدين خلالها في ثبوت المسؤولية بين نقطتين اثتنين: أولاهما زمن انعقاد عقد التسيير الحر والثانية نهاية مدة الستة أشهر ويظهر ذلك من خلال استعماله – أي المشرع -لعبارة الديون المقترضة من طرفه – أي المسير الحر – فهو بهذه العبارة اراد ان يجعل من زمن انشاء الدين بعد تمام عقد التسيير الحر وصفة منشئ هذا الدين أمرين متلازمين ذلك لأنه سمى منشئ الدين «مسيرا حرا» وهي صفة لن تكون له إلا بعد تمام عقد التسيير الحر، الأمر الذي يفيد ان الديون المقصودة هي تلك الناشئة بعد أن اكتسب هذه الصفة. أما ارجاع فترة نشوء الدين إلى ما قبل تكوين العقد ولو كان هذا الدين مرتبطا باستغلال الأصل التجاري. فإنه يفكك ذلك التلازم المذكور أعلاه، لاعتداده بدين معقود ممن لم تتوفر فيه صفة المسير الحر، في الوقت الذي يشترط في فيه النص (نص المادة 155 إبرام الدين من طرف من تتوفر فيه هذه الصفة.
ثالثا : هل يعتد بعلم الدائن بعقد التسيير الحر قبل انصرام المدة القانونية؟
علمنا أن المادة155م ت م جعلت مكري الأصل ألتجاري مسؤولا على وجه التضامن إلى غاية نشر عقد التسيير وخلا ل مدة ستة اشهر التي تلي هذا النشر، ولكن قد يحصل في العمل أن يعلم دائنو المسير الحر بوجود العقد المذكور، فهل لهذا المسير أن يحتج بهذا العلم؟
ذهب جانب من القضاء الفرنسي إلى ترتيب المسؤولية التضامنية بين مالك الأصل التجاري ومسيره الحر حتى ولوكان الدائن قدعلم فعلا بوضع الأصل التجاري في التسيير الحر.
ولكن حل هذه المسالة رهين بتحديد طبيعة الحكم الذي تضمنته المادة155م ت م. بمعنى هل يشكل هذا الحكم قاعدة موضوع أم لا يعدو أن يكون قرينة قانونية لا غير؟
الصحيح أن الحكم المضمن بالمادة155م ت م، يعد قاعدة موضوعية وليس قرينة قانونية، لأن الذي جعل المشرع يختار مدة الستة أشهر كمدة لاستمرار مسؤولية المكري هو الأمر الغالب حصوله والمتمثل في تحقق علم الدائن تحققا آمنا بانصرام هذه المدة التي قبلها يبقى قيام المظهر الخادع مفترضا لتقوم معه مسؤولية المكري، الأمر الغالب الذي توارى خلف القاعدة المضمنة بالمادة المذكورة لتبرز مكانه بروزا مضطردا لا يعتد بما يخالفه.
ومعنى هذا القول عدم الاكتراث بعلم الدائن بعقد التسيير الحر متى حصل فوات المدة القانونية، لان المشرع، وهو يضع هذه القاعدة الموضوعية، لم يكن ليعتبر الدائن عالما والمدة لم تنصرم، فهو أي الدائن لم يتحقق علمه في نظر القانون وإن كان قد تحقق في نظر الواقع.
وعليه فإذا ادعى المسير الحر علم دائنه بعقد التسيير الحر ولو استطاع اثبات هذا العلم ليحتج به عليه فإنه لا يعتد بادعائه هذا، لأن المادة 155 تضع قاعدة موضوعية لا يجوز مخالفتها بإثبات عكس العلة من تقريرها.
ومما يزيد هذا النظر تأكيدا هو مقتضيات المادة 158 من مدونة التجارة المغربية التي تَعد باطلا كل عقد تسيير حر لم يستوف الشروط القانونية التي من بينها شرط المدة المنصوص عليه بالمادة155م ت م.
بقي أن نشير إلى أن القاعدة الموضوعية المنصوص عليها في هذه المادة الأخيرة، هي قاعدة موضوعية آمرة لأن المادة 152أخضعت عقد التسيير الحر لأحكام الباب الخامس بالرغم من كل شرط مخالف.
رابعا : من يحق له التمسك بالمسؤولية التضامنية للمكري؟
إن الغاية من وضع المقتضيات المضمنة بالمادة 155 من مدونة التجارة المغربية هي حماية دائني المسير الحر لهذه الغاية إذن لا يحق التمسك بالمسؤولية التضامنية لمالك الأصل التجاري إلا من قبل الدائنين.
ويشترط في الدائن الذي يحق له التمسك بالمسؤولية المذكورة أن يكون حسن النية، فالشخص الذي يزود المسير الحر بالمواد عن طريق الاقتراض، ويستمر في تزويده بها رغم توقف المسير الحر عن تسوية الديون السابقة، يعتبر دائنا سيئ النية، وبالتالي لا يحق له أن يثير مسؤولية مكري الأصل التجاري، الذي يتحمل عبئ إثبات سوء نية الدائن
كما لا يحق للمسير الحر ذاته أن يتمسك بالمسؤولية التضامنية للمكري، التي لم يتم إقرارها من المشرع إلا لحماية الدائن وليس لحماية المسير الحر.
خامسا: هل يعد التجديد الضمني لعقد التسيير الحر عقدا جديدا يستتبع نشرا جديدا ومدة جديدة؟
الغالب في عقود اكرية الأصول التجارية انعقادها لمدة محددة، لذلك فقد يضع الطرفان حدا لها بفوات مدتها أم يبقى المكتري واضعا يده على الأصل التجاري دونما إبداء أي اعتراض من جهة المكري، فتكون النتيجة هي أن يتجدد عقد كراء الأصل التجاري تجددا ضمنيا (الفصل689 ق ل ع م.)
واذا كانت القاعدة هي أن التجديد الضمني للعقد يشكل عقدا جديدا ذا ايجاب وقبول ضمنيين، فإن إشكالا قد يطرح مؤداه: هل يخضع عقد كراءالأصل التجاري المجدد ضمنيا لإجراءات شهر جديدة بالرغم من سبق شهر العقد الأصلي؟
وغاية طرح هذا السؤال هي معرفة ما إذا كانت مسؤولية مكري الأصل التجاري بالتضامن مع مكتريه ستطفو من جديد بعد تجديد العقد ضمنيا لمدة ستة اشهر أخرى بعد نشر هذا العقد -على فرض قبول إمكانية شهره من جديد – طالما انه عقد جديد يتميز عن العقد القديم)
يمكن تأصيل المشكل على مستويين اولهما قانوني والثاني واقعي. أما على المستوى القانوني فالأمر يدعو إلى الجدل على اعتبار العقد المجدد ضمنيا هو عقد جديد، أما على المستوى الواقعي، فإن تطلب شهر جديد وبالتالي مسؤولية جديدة، أمر مردود خصوصا إذا لم يطل العقد المجدد أي تغيير في طبيعة الاستغلال، أو في شخص المستغل، من شانه أن يستلزم اخبار الغير به، وإلا كان القول بغير ذلك مفضيا الى تزيد قانوني لا مسوغ له من جهة، وزيادة في الأعباء من جهة اخرى، كان منطق الأمور يحتم الاستغناء عنها.
TILQUINThierry, SIMONARTValérie, Traité des sociétés, Volume 1, Éditeur Kluwer, 1996, 490
ROBINAULT Maurice, La location-gérance de fonds de commerce, Dalloz, 1953
CHAMOULAUD-TRAPIERSAnnie, Droit des affaires,Lexifac. Droit , Édition2, Editions Bréal, 2007, 87
MINONFrançois, Je transmets mon entreprise, Edipro, 1999, 122
قانونعدد 129لسنة 1959مؤرّخفي 5أكتوبر 1959يتعلقبإدراجالقانون بالرائد الرسمي الرائدالرسميللجمهورية التونسيةعدد 56الصادرفي 3و 6و 10و 13نوفمبر 1959. وتقضي المادة 229 من مجلة التجارة التونسية بما يلي : "بالرغمعنكلشرطمخالففإنكلعقدأواتفاقيقتضيتسليمالمالكأصلاتجاريافيالكلأوالبعض علىوجهالكراءيكونخاضعاللأحكامالآتية."
ولقد ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرار صدر عنها بتاريخ3 يونيو2004 تحت رقم2004-1903، ملف عدد9-203-2219، إلى أن "بطلان عقد التسيير الحر المصرح به من قبل القاضي بسبب عدم احترام مقتضيات المادة152 وما بعدها من مدونة التجارة المغربية، لا يعفي الطرفين إطلاقا من الوفاء بالتزاماتهما المتبادلة المتفق عليها بمقتضى العقد"